الأحد، 29 يناير 2012

دار الكتب الناصرية


دار الكتب الناصرية في تمكروت
بقلم الأستاذ محمد المنوني-رحمه الله-
ابتدأ تأسيسها من أيام أبي عبد الله بن ناصر ، و بذل مؤسسها مجهودا مهما في جمع كتبها الأولى ، و إلى جانب المؤلفات التي اقتناها بالشراء ، نسخ بنفسه و استنسخ العديد من الدواوين العلمية .
و من منتسخاته –بخطه- يذكر القاموس لليروزآبادي ، و "الأمالي" لأبي علي القالي ، و بعض كتاب "العقد الفريد " لابن عبد ربه ، و رابعا "المنصف من الكلام ، على مغني ابن هشام" للشمني ، و هذا الأخير لا يزال محفوظا ضمن المجموعة الباقية بتمكروت تحت رقم : 637
و سوى هذا اعتنى نفس المؤسس بتصحيح الكتب و مقابلتها ، و تقييد الفوائد بهوامشها ، و قد عاين أبو العباس الهشتوكي كثيرا من كتبه عليها خطه معارضة و تهميشا ، خصوصا نسخ الصحيحين للبخاري و مسلم .
و من الهدايا لنفس المؤسسة في فترة تأسيسها ، ما يذكره ابن عبد السلام الناصري في صدد اعتناء الشيخ ابن ناصر بروايات صحيح البخاري :
"........ثم إن الإمام أبا زي عبد الرحمن المكناسي ، أهدى لشيخه ابن ناصر المذكور : نسخة عتيقة رباعية من ثمانية عشر جزءا رواية أبي ذر الهروي ، ثم تنافس تلامذته : اليوسي و التجموعتي و العياشي و ابو الحسن علي المراكشي في ذلك ، فجاء كل للشيخ بنسخة جيدة مقروءة ".
و يبدو أن الخزانة –في عهدها الأول- لم تكن تتوفر على مركز منتظم ، و يدل لهذا أ، الكتب –في هذه الفترة- كانت موضوعة على الأرض مباشرة ، حتى أهدى لمؤسسها حصير ليفترشه لنومه ، فآثر به وضعه تحت الكتب وقاية لها ، و استمر ينام هو و أسرته على التراب ، و هو نموذج نادر للتضحية في سبيل العناية بالكتب .
و بعد هذا : فإن الصبغة الوقفية للخزانة الناصرية ، بدأت في وقت مبكر من حياة أبي عبد الله ابن ناصر ، و قد ذكرنا –سلفا- من منتسخاته بخطه ، كتاب "المنصف من الكلام على مغني ابن هشام" الذي يحمل –بنفس الخزانة- رقم 637، و نسجل الآن أن ناسخه ذيله –في آخره- بالتصريح بتحبيسه و سائر كتبه على زاوية سيدي عبد الله بن الحسين (الزاوية الناصرية من بعد ) بسفالة تمكروت بدرعة عام 1048م 

و قد شيدت بناية الخزانة بعدما صارت إلى نظر أبي العباس ابن ناصر ، و هو الذي اشترى لها الكتب بالأحمال من المغرب و الشرق ، و ضرب –في هذا الصدد- رقما قياسيا لم يلحق شأوه فيه أحد من شيوخ الزاوية الناصرية
، و من هذا أنه –في حجته الأخيرة- استسلف بمصر آلافا من المثاقيل و اشتراها كلها كتبا ، و لا شك أن هذه الأعداد زائدة على المبالغ التي سيكون المعني بالأمر استصحبها معه-من المغرب- لنفس الغاية.
و من المعروف أنه هو الذي جلب إلى المغرب –لأول مرة- النسخة اليونينية من صحيح البخاري ، و هي موزعة بين عشرة أجزاء بخط شرقي ، و على أول الجزء الأول منها بخططه:" ملك لله تعالى ، بيد أحمد بن ناصر كان الله له ، بمكة المشرفة ، بثمانين دينارا ذهبا "
و بعد عهد أبي العباس بن ناصر أضيف إلى دار الكتب هذه ،مؤلفات كثيرة ، بالشراء و الاستنساخ من جهة مشايخ الزاوية ، أو عن طريق الاهداء ، فضلا عن خزانات بعض الأعلام ، و منها خزانة أبي العباس أحمد بن إبراهيم السباعي ، و خزانة أبي العباس أحوزي الهشتوكي ، و أخيرا : خزانة أبي الحسن علي الدمناتي ، حيث لا تزال خزانة الزاوية نحتفظ بأوضاعه المتنوعة ، و أكثرها بخط مؤلفها.
و فوق هذا فإن بعض شيوخ الزاوية عملوا على حيازة المؤلفات الموقوفة على الزوايا الفرعية ، لنقلها إلى الخزانة المركزية بتمكروت ، و لهذا لا تزال هذه الخزانة تحتفظ بمخطوطات موقوفة على زوايا الرباط و فاس و تطوان ، حسب أرقام :214- 284- 1478-1866-1047، هذا فضلا عن  الكتب التي كانت موقوفة على زاوية الفضل و جامع الخطبة بتمكروت ، حسب رقمي : 541-1323.
و عن موضوعات كتب الخزانة أيام ازدهار يقول ابن عبد السلام الناصري :"
".....إذ كثرة كتبها –أي الزاوية- ما علق على كاتب الله من تفسير و حاشية مما بعد الثعلبي  و الواحدي ، و قطعة منهما ، و ليس بها من قبلهما إلا جزء من تفسير ابن جرير الطبري .......
و على الحديث ، و ليس بها من قبل الكتب الستة .
ثم ما علق على الرسالة و ابن الحاجب و خليل .
و تآليف ابن مالك و ما علق عليها.
و تآليف الصوفية قديمة و حديثة .
و الكتب الستة .
و جمع من تواريخ المؤرخين.
و أمهات اللغة و النحو ككتاب سيبويه.
و الفقه : كتهذيب البرادعي ، و نهاية المتيطي ، و اختصاره لابن هارون ، و أما ابن يونس ، و المازري و اللخمي ، و النوادر على المدونة : فأجزاء لم تكمل ، كأجزاء قديمة من البيان لابن رشد.
و ما أنعم بنسخة جيدة منه من ثمانية عشر جزءا إلا أمير المؤمنين : أبو عبد الله سيدي محمد بن عبد الله بن إسماعيل ، حضرت استنساخه له أواخر السبعين ، فبعثه محبسا له هنا تقبل الله منه.
كشرح أبي علي بن رحال في أربعة عشر جزءا ، بعث –رحمه الله ورضي عنه- نسخة منه و مالا : نحو أربعمائة مثقال حتى استنسخه هنا ، فحبسه و استرجع الأصل ، شكر الله سعيه.".
و قد أخذت هذه المؤسسة تتراجع من صدر المائة الهجرية الثالثة عشر ، حيث يسجل نفس المصدر ضياع الكتب من الخزانة ، و جهل المعنيين بالأمر وجود الباقي منها ، و هو يقول عن المؤلفات الضائعة :" و كم رددنا منها لمحله بالفداء و بغيره....."
و كانت الخزانة في فترة ازدهارها تخضع إلى أنظمة و تقاليد متبعة .
فقد ثبت عن أبي العباس ابن ناصر أنه رتب محتوياتها حسب العلوم و جعل لكل نوع علامة تميزه عن غيره.
و لم يكن يمنع إعارة الكتب لمستحقيها.
و ثبت عنه أنه قال لأهاليه في توصيته بالكتب : " إن أنتم حفظتموها و تعاطيتموها كما هو المألوف حفظها الله لكم ، و جلب لكم غيرها ، و العكس بالعكس."
و عن نظام الإعارة و المحافظة على الخزانة يقول محمد بن عبد السلام الناصري :" و الذي أدركنا عليه من هو أهل للولاية بالزاوية : ينظر الأصلح الأقوى الأعلم ، فيفوض له الأمر في الكتب ، يدخل للخزانة حتى يأخذ ما فيه كفاية الطلبة ، و يعطي كلا من المتعلمين بالزمام ما يحتاج إليه ، و على رأس كل سنة آخر رمضان يحضر الزمام ، و يعاهدون كل من بيده كتاب من المعلمين و المتعلمين ". و لم يعرف للخزانة دفتر قديم يستوعب محتوياتها ، و أول لائحة معروفة هي التي وضعت لها – بعد تراجعها- بمبادرة  شيخ الزاوية أبي العباس أحمد بن أبي بكر الناصري ، و تحمل تاريخ 20 جمادى الثانية عام 1336 ه و هي تشتمل على حوالي ألفي مخطوط دون اعتبار محتويات المجاميع ، و جاء ترتيب أبواب اللائحة هكذا :
-كتب خزانة الروضة الناصرية .
-كتب خزانة الأشياخ.
-كتب الطارمة العلوية.
و لا تزال هذه اللائحة مخطوطة في نسختين من حجم صغير مستطيل : إحداهما بالخزانة العامة رقم :ج 975 في 74 ص ، و الثانية بالمكتبة الملكية رقم : 5657 في 82ص.
أما المقر القديم للخزانة فالظاهر أنه لم ينتظم إلا مع ولاية أبي العباس بن ناصر ، حيث وضعت محتوياتها في دار على حدة صارت تعرف "بدار الكتب".
و قد جاء عن ابن عباس ابن ناصر أنه ابتنى خزانة جيدة لهذا الغرض ، كما أنه اعتنى –أكثر- ببيت للكتب شاده عام 1123 ه و أتقنه ببدائع الصنعة ، و استجلب له الصناع من فاس ، و جمله بطاقات مغطاة بالزجاج الملون ، فإذا أشرقت الشمس انعكس شعاعها إلى الداخل ، ليزيد منظر بيت الكتب حسنا و بهجة ، و قد وصف مباهجه شاعر معاصر في قصيدة مطولة ، على هلهلة في بعض أبياتها ووزنها و أوصافها ، و هكذا يقول أبو عمران موسى بن محمد الكير بن أبي عبد الله بن ناصر :
علم المحاسن قد أناخ بروضة            ذات السنا و مقر دين محمد
راقت فأبرق نورها أفق العلا            فتبلج الأصباح أسنى مقصد
بيت حوى كل المحاسن فازدهى         عجبا وفاق علي كل مشهد
بهر العيون بهاؤه و سناؤه               و سبا العقول بحسنه المتجدد
إن قلت فيه إنه شمس الضحى           أو فيه من لؤلؤ لم تـفنـد
هبت معالي السعد في عرصاته          و الزهر لاح في أعاليها الند
لم يبق بيت للمعالي مهذب               إلا تأخر عن معالي السؤدد
حازت مفاخره سناء المجد من           برد الليالي وحسن صدق تهجد
بيت حوى من كل علم زهرة            و أعز كل ماجد و ممجد
أضحت تلاحظه البدور تأدبا             و من الحياء يروم أعلى مقصد
و القصيدة –بعد هذا- لا تزال طويلة ، حيث يبلغ مجموعها 33 بيتا مزدوجا .
و قد استمرت هذه الخزانة بدار الكتب –الآنفة الذكر-حتى العقود الأخيرة ، و كان موقعها من ملحقات سكنى شيخ الزاوية ، في بناية مرتفعة تشتمل على بيتين : أحدهما : بيت الكتب الكبير ، و هو الذي تصفه القصيدة فيما يظهر ، و الثاني : يعرف "ببيت الكتب الصغير" مع مخبأ عال يعرف : بالطارمة العلوية " و ثلاثتها مستودعات للكتب في خزانات خشبية موزعة حسيب العلوم ، و مرقمة من واحد فأعلى .
و قد أخرجت من هذه الدار –في تاريخ غير محدد- مجموعة من المؤلفات الحديثية و بعض كتب التفسير و اللغة و التصوف ، ووضعت –على حدة- داخل المشهد الناصري ، في خزانات حائطية صار مجموعها يعرف بخزانة الروضة.
و أخيرا :نقلت المخطوطات من دار الكتب و خزانات الورضة ، ووضعت –جميعها- بالمدرسة القديمة
و الآن : صارت الكتب الباقية في بناية جديدة شيدت –خصيصا – برسم هذه الخزانة ، و جاء موقعها بمقربة من خارج باب الرزق في الجنوب الغربي للزاوية ، و هذه البناية المكتبية عبارة عن قاعة فسيحة في طولها و عرضها ، تتخللها نوافذ للضوء و التهوية ، و هي مجهزة تجهيزا مناسبا برفوف خشبية مغطاة بواجهات زجاجية لحفظ المخطوطات و صيانتها ، فضلا عن مقاعد و طاولتين للقراء

موضوع مقتبس من موقع  رواق المذهب المالكي 

هناك تعليق واحد:

khizana naciria يقول...

شكرا على هذا الموضوع القيم